تتوالى المواقف العربية من مجريات الأحداث في سوريا، متخذةً منحى تنسيقياً بين دول مجلس التعاون الخليجي، التي شرعت في السير على خطى السعودية، واستدعاء سفرائها في دمشق للتشاور. كذلك برز موقف هو الأول من نوعه لمشيخة الأزهر، باعتبارها أن الأمور في سوريا تجاوزت الحد. أما السلطات السورية فاختارت حتى اللحظة عدم الرد المباشر، فتولت صحيفة «الوطن» السورية وصف خطاب الملك السعودي بأنه «أقرب إلى رسالة تهديد أميركية». وأظهرت مجريات الأحداث، خلال اليوميين الماضيين، أن الصمت الخليجي الذي انكسر مع خروج مجلس التعاون الخليجي ببيانه الأول عن الأزمة السورية، وتخيير الملك السعودي للنظام السوري بين الحكمة أو الفوضى والضياع، سرعان ما اتضح أنه ليس سوى أول الغيث في سلسلة من الخطوات يبدو أن الدول الخليجية تتجه لاتخاذها في محاولة للضغط على السلطات السورية للتوقف عن الحل الأمني وإعطاء فرصة لمحاولة إيجاد حل سياسي للأزمة.
فلم تكد تمضي ساعات على إصدار الملك السعودي بيانه وإعلانه استدعاء السفير السعودي في دمشق للتشاور، حتى كان وزيرا خارجية الكويت والبحرين، يعلنان استدعاء سفيري البلدين في دمشق للتشاور، ليصبح عدد الدول الخليجية التي سحبت سفرائها من دمشق أربعة، بعدما كانت قطر قد سحبت سفيرها الشهر الماضي، اعتراضاً على الهجوم الذي تعرضت له سفارتها من محتجين مؤيدين للنظام.
وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية الكويتي، محمد الصباح، أن بلاده دعت سفيرها في سوريا عزيز الديحاني للتشاور، مشيداً بخطاب الملك السعودي بشأن الأحداث في سوريا. كذلك توقع أنه «سيكون هناك اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون قريباً وتحرك خليجي مشترك للتباحث في الأمور المتعلقة بسوريا»، فيما أعلن النائب الكويتي، محمد هايف، التقدم بشكوى على السفير السوري في الكويت إلى المحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى تقديم سؤال لهيئة الأوقاف الكويتية عن «مدى جواز إقامة علاقة مع نظام يقتل شعبه».
أما البحرين فاكتفت بإعلان استدعاء سفيرها من دون تقديم مزيد من الإيضاحات أو إبداء أي تعليق على موقف الملك السعودي، الذي قالت صحيفة «الوطن» السعودية إنه صدر بعد فشل اتصالات أجرتها السعودية مع النظام السوري لحضه على وقف العنف. وأوضحت الصحيفة أن «هناك اتصالات سياسية سبقت الخطاب، وهذه الاتصالات وصلت إلى طريق مسدود؛ إذ مضى النظام السوري في طريق تأزيم الأوضاع، ما جعل المملكة تتخذ موقفاً واضحاً».
من جهته، رأى المحلل صدقة فاضل، أن الموقف السعودي لا يزال «في مرحلة التحذير، وقد تتخذ المملكة إجراءات أكثر صرامة» حيال دمشق، فيما أكد المحلل السعودي جمال خاشقجي لوكالة «فرانس برس» أن السعودية «ستتحرك علناً مع دول أخرى على الصعيدين الإقليمي والدولي للضغط على نظام دمشق من أجل أن يوقف حمام الدم» في سوريا، مشيراً إلى أن «اجتماعاً بين سعوديين وأميركيين وأتراك سيعقد قريباً في إحدى عواصم المنطقة».
وفي ظل غياب أي موقف رسمي سوري، شنت صحيفة «الوطن» السورية هجوماً على خطاب الملك السعودي، واصفةً إياه بأنه أقرب إلى رسالة تهديد أميركية. وقالت الصحيفة: «فاجأ الملك السعودي عبد اللـه بن عبد العزيز السوريين في وقت متأخر من مساء أمس بكلمة قال إنه يوجهها إلى أشقائه في سوريا، لكنها بدت كأنها أقرب إلى رسالة تهديد أميركية منها إلى رسالة أخوية تجاهل فيها خادم الحرمين حقيقة الأحداث والبراهين التي تثبت أن أشقاءه في سوريا يتعرضون لمؤامرة تتجاوز حدود الخطابات».
وأضافت: «الرسالة التي يبدو أنها لم تفاجئ السوريين فقط، بل حتى سفير المملكة في دمشق عبد اللـه بن عبد العزيز العيفان، الذي لم يخرج من مأدبة إفطار أقامها في فندق الفورسيزنز بحضور رسمي وشعبي سوري، إلا ليسمع رسالة استدعائه بهدف التشاور». وانتقدت الصحيفة عدم تضمن كلمة الملك السعودي «أي إشارة إلى المجموعات الإرهابية المتطرفة التي سعت إلى تمزيق وحدة سوريا العربية والإسلامية، وتجاهلت أي إشارة إلى الجهات التي تموّل هؤلاء الإرهابيين وتسلّحهم، وثبت أن بعضهم يتلقى تعليماته من شيوخ فتنة تؤويهم بلاد الملك، في وقت تحتاج فيه المملكة إلى تطبيق إصلاحات جذرية في بنيتها السياسية والاجتماعية قبل التوجه بالنصح إلى الآخرين، وتجاهلت كذلك الإجراءات الإصلاحية التي أطلقها الرئيس بشار الأسد، بما فيها إصدار قانون الأحزاب والانتخابات».
في غضون ذلك، بدت الجامعة العربية أكثر ميلاً إلى اعتماد لهجة أقل تشدداً تجاه سوريا، تراعي تعدد وجهات نظر الدول العربية، وبينها تلك الداعمة للنظام السوري. فأكد الأمين العام للجامعة نبيل العربي أنه سيلجأ إلى الإقناع بدلاً من «الإجراءات الجذرية» للمطالبة بإنهاء العنف في سوريا، مشيراً إلى وجوب عدم توقع اتخاذ إجراءات «صارمة» بشأن سوريا.
وأكد العربي وجود «درس يجب أن تتعلمه جميع الدول العربية وغير العربية مما حدث في تونس وما حدث في مصر»، قائلاً: «عندما ينزل الشعب إلى الشارع ويطالب بالتغيير لمصلحة الجميع، فالأولى بالرؤساء والحكومات أن يصلوا إلى هذا الحل بالحوار وبعدم استخدام العنف أو القوة».
في غضون ذلك، سجل موقف هو الأول من نوعه لشيخ الأزهر، أحمد الطيب، رأى فيه أن «الأمر جاوز الحد» في سوريا ولا بد من «وضع حد لهذه المأساة». وأوضح أن «الأزهر الذي صبر طويلاً وتجنب الحديث عن الحالة السورية نظراً إلى حساسيتها في الحراك العربي الراهن، يشعر بأن من حق الشعب السوري عليه أن يعلن الأزهر بكل وضوح أن الأمر قد جاوز الحد وأنه لا مفر من وضع حد لهذه المأساة العربية الإسلامية». وناشد «المسؤولين في سوريا الشقيقة أن يراعوا هذا الشعب الأبيّ»، مطالباً «القيادة السورية بأن تعمل فوراً على وقف إراقة الدماء وعلى الاستجابة للمطالب المشروعة للجماهير السورية، استجابة صادقة واضحة ناضرة».
أما في الأردن، فأصدر شباب عرب وأردنيون بياناً للتضامن مع الثورة السورية، أكدوا فيه شراكتهم الأبدية في الدم، التاريخ و الأرض. واستنكر البيان صمت معظم المثقفين العرب تجاه الدم العربي السوري المراق في الشوارع، مطالباً إياهم «بوقفة جدية وفعالة إلى جانب انتفاضة الشعب السوري الحر، وبذل كل الجهود والإمكانات لإدانة ممارسات النظام السوري البشعة، وإيصال صوت الشعوب العربية ـــــ المتضامنة قلباً وقالباً، روحاً ووجداناًً مع إخوتهم السوريين».
في المقابل، توجه وفد أردني يضم 120 متضامناً إلى الأراضي السورية «للتعبير عن تضامن الشعب الأردني مع سوريا في وجه المؤامرة التي تتعرض لها سوريا».