جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الاخيرة الى ايران وسط أجواء
سياسية متوترة تخيم على المنطقة وتلقي بظلالها على مجرى الاحداث وتفرز
علاقات جديدة بين مختلف الاطراف المعنية.
بالنسبة للعراق تحوز
الزيارة على اهمية سياسية خاصة. ومن السذاجة اعتبارها مجرد زيارة لتوقيع
عدد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية وتعزيز التعاون الثنائي بين
البلدين. داخليا لازالت حكومة المالكي تعاني من علاقات متأزمة ليس فقط مع
معارضيها كالقائمة العراقية بقيادة اياد علاوي بل حتى مع حلفائها من
الاحزاب الشيعية ايضا. وان لم يكن هذا سيئا بما يكفي فقد جاء الجدل الاخير
والحرب الكلامية بين الحكومة المركزية في بغداد واقليم كردستان ليزيد
الامور سوءا ويعمق الازمة.
اكد مسؤولون ايرانيون وعراقيون ان
لبلديهما رؤية ومواقف مشتركة ازاء مجمل الاوضاع والتحولات في المنطقة
باتجاه "تعزيز الامن والاستقرار فيها وتجنب الصراعات والحروب"، مشددين على
ضرورة تطوير وتعزيز العلاقات بين البلدين على كل المستويات.
وأعرب
المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي لدي استقباله امس
الاثنين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في طهران عن ارتياح ايران
"لاقتدار العراق الذي يزداد يوما بعد يوم في العالم الإسلامي والعربي" على
حد قوله.
واكد الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ونوري المالكي خلال
لقائهما بطهران على ضرورة توسيع العلاقات الثنائية والاستفادة من قدرات
البلدين "لتثبيت الامن والاستقرار في المنطقة"، محذرين من ان "اعداء
البلدين قلقون من قدرتهما واستقلال قرارِهما، ويسعون لاضعافهما عبر زرع
الفتنة".
من جانبه قال رئیس الهیئة العلیا لتسویة الخلاف بین
السلطات فی ايران آیة الله محمود هاشمی شاهرودی خلال لقائه نوری المالكی
وفی اشارته الی "الصحوة الاسلامیة" فی المنطقة، ان "العراق بامكانه ان
یضطلع بدور مهم فی دعم الحركات الشعبیة فی المنطقة ومن المناسب ان یولی
المسؤولون العراقیون اهتماما بهذا الموضوع". لكنه لم يوضح ماهية هذا الدور
وعن اي حركات شعبية يتحدث. لكن ما هو مؤكد ان هذه الحركات لا تشمل بالطبع
الثورة السورية التي لا تعتبرها طهران ضمن ثورات الربيع العربي او ما تسميه
"الصحوة الاسلامية". ليس هذا فقط وانما تقف الى جانب النظام السوري للقضاء
عليها.
وهو ما أكده رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون عقب
اجتماع مع وزير الخارجية محمد عمرو امس الاثنين في القاهرة حين قال ان
"الدعم الايراني والغطاء الروسي هما اللذان مكنا النظام السوري من
الاستمرار في العنف" مؤكدا ان "الايرانيين يعتبرون المعركة في دمشق
معركتهم".
وقد القت احداث المنطقة وتحديدا الازمة السورية والخلاف
بين تركيا وايران حول ما يجري هناك بظلالها على الملف النووي الايراني
ايضا. اذ اقترحت ايران ان تعقد الجولة الثانية للمحادثات النووية بين ايران
ومجموعة 5+1 في بغداد. وبهذا تكون، من جانب، قد منحت حكومة حليفها المالكي
شرعية هي في امس الحاجة اليها ومن جانب آخر تكون قد عاقبت تركيا على
مواقفها المعادية لنظام الرئيس السوري بشار الاسد.
داخليا يواجه
المالكي تحديات كبيرة من كل الاطراف. فبينما كان المالكي مشغولا بلقاءاته
المتعددة مع القادة والمسؤولين الايرانيين كبارا وصغارا، حمّلت حركة
"الوفاق الوطني العراقي" بزعامة أياد علاوي، المالكي شخصياً مسؤولية جرّ
البلاد إلى مزيد من التدخلات الخارجية "من خلال ترحيل الأزمات واللعب على
وتر الطائفية والاستعانة بالخارج على الشركاء السياسيين".
واعلن
رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني من انقرة خلال زيارته الاخيرة
لتركيا انه يعارض بيع الولايات المتحدة طائرات اف 16 الى بغداد في الوقت
الذي لا يزال رئيس الوزراء نوري المالكي في السلطة. ملمحا الى انه يدعم اي
خطوة للاطاحة به وحكومته باعتباره لم يعد صالحا لادارة العراق.
وضم
كل من المجلس الاعلى بقيادة عمار الحكيم والتيار الصدري بزعامة مقتدى
الصدر صوتهما الى معارضي حكم المالكي ولم يخفوا امتعاضهما من حكمه ورغبتهما
في اسقاطه.
اقليميا لم تنجح قمة بغداد التي انعقدت في وقت سابق من
هذا الشهر من تأهيل العراق وعودته كما كان مرجوا الى الحظيرة العربية. اذ
لم تمر ايام على انفضاضها حتى شن رئيس الحكومة العراقية حربا كلامية على
السعودية وقطر قابله هجوم لاذع من اعلام البلدين وباقي دول الخليج.
ولو
كانت هناك فرصة لتحقيق تقارب بين العراق والبلدان العربية فان تفاقم
الازمة السورية وتضارب المواقف ازاءها بين العراق وهذه البلدان وخاصة
الخليجية منها قد بددها وزاد الامور تعقيدا. ما نراه اليوم هو ان الحكومة
العراقية ومعها باقي الاحزاب الشيعية قد تبنت مواقف متناغمة بل متطابقة مع
طهران، الطرف الاقوى نفوذا في العراق والحليف الرئيسي لسوريا.
كما
اننا نشهد في المقابل توترا متزايدا بين العراق وتركيا. فقد رفض رئيس
الوزراء التركي رجب طيب اردوغان اتهامات رئيس الوزراء العراقي له بانه يسعى
لاشعال الخلافات الطائفية في العراق واتهم نظيره العراقي بمحاولة
كسب"نفوذ" في حرب كلامية متصاعدة بين البلدين قائلا: "اذا كنا نرد على
السيد المالكي فاننا نعطيه الفرصة للاستعراض. لايوجد ما يدعو للسماح له
بكسب نفوذ".
ويرى المراقبون ان زيارة المالكي لطهران تؤسس لمرحلة
متقدمة برزت فيها مواقف واضحة لبغداد خلال القمة العربية الاخيرة تنسجم مع
الموقف الايراني فيما يتعلق بعدة قضايا اساسية وعلى راسها القضية السورية.
لذا
يمكن اعتبار زيارة رئيس الوزراء العراقي الى طهران تكريسا للتحالف العراقي
الايراني السوري مقابل ما يرونه تحالفا سعوديا قطريا تركيا. لننتظر ونرى
مدى تماسك او تصدع هذه التحالفات في ظل ما ستؤول اليه الاحداث في سوريا في
المرحلة المقبلة.